لا تنشر غسيلك على الانترنت

حين قامت “كورتني ألين” بخيانة زوجها “رقمياً” لم تكن تعتقد أن هذا الشيء سينغص حياتها.

مدفوعة بالملل كوّنت كورتني علاقة مع “تود زونست” عبر أحد ألعاب الانترنت الجماعية التي كانت تلعبها، وهذا الشيء تطور لعلاقة حميمية ولكن عن طريق الانترنت، قام فيها الشخصان بتبادل صور ومقاطع فيديو فاضحة.

القصة تطورتْ بالطبع بعد معرفة زوج كورتني بالموضوع، وتهديده لزونست، ومن ثم قيامه بفضح كليهما بإبلاغ أقاربهما بما يقومان به، متّبعاً نصيحة أحد المنتديات المتخصصة في هذه القضايا.

للأسف لم تنتهي القصة بانسحاب كورتني واعتذارها لزوجها، فما جاء بعد ذلك أسوأ بكثير. فقد أصبحت كورتني وزوجها ضحية “التنمر الإلكتروني” باستمرار وأصبحت تصلهم رسائل بذيئة وتهديدات. أما المقاطع التي قامت بإرسالها إلى زونت فقد وصلت إلى جميع أصدقاء زوجها.

ليس ذلك فحسب بل أصبحت الشرطة تتردد باستمرار على بيت كورتني بعد ورود بعض الشكاوي عن إساءة معاملته لطفله، أو مخاوف من أن زوج كورتني سوف يقتلها، وكل هذه الشكاوي سُجلتْ باسم شخص مجهول بالطبع.

حتى بعد قيام الزوجين بتغيير عنوانهما فإن التنمر الإلكتروني لم يتوقف، لدرجة أن المضايقات وصلت إلى مكان عمل كورتني الذي أصبح يتلقى أكثر من 50 مكالمة يومياً وكلها لتهديدها، بالإضافة إلى رسائل بريدية موجهة إلى مديرها يخبرونه فيها بأن كورتني إنسانة سيئة.

حين قام الزوجان برفع قضية على زونست يتهمونه فيها بالتحرش والتنمر، أنكر زونست كل هذه الإدعاءات، وبالرغم من أن التحقيقات أظهرت وجود رابط بين زونست والرسائل التي وصلت عبر البريد الإلكتروني إلا أن بقية الأمور لم تُشر له بشكل مباشر، ومازالت القضية قائمة حتى الآن.

افكاري حول القضية…

طوال فترة قراءتي لهذه المقالة وأنا أشك في وجود طرف ثالث يتلاعب بالاثنين أو شيء من هذا القبيل. والسبب هو أن كل من زوج كورتني وزونست قاما بنشر قصصهم في منتديات عامة يشكون فيها ماحدث لهم وذكروا الكثير من التفاصيل، وهذه المعلومات يستطيع أن يستفيد منها أي شخص “مريض عقليا” ويبدأ في ربط الأمور واستهداف كورتني وزوجها الذي بدأ الهجوم.

لدي تحفظ بعض الشيء على استخدام منتديات الانترنت للحصول على المشورة في العلاقات الزوجية. فحتى لو ضمن لك الموقع السرية والخصوصية، فإن كل ماتكتبه على الانترنت سيبقى إلى الأبد (بعكس الحديث في الغرف المقفلة) وهذه المعلومات الرقمية يمكن أن يستفيد منها أي شخص للبحث والنبش في حياتك.

الانترنت ≠ الحياة الحقيقية


✉️ ظهر هذا الموضوع في عدد سابق من نشرة النشرة. اشترك الآن لتصلك الأعداد بانتظام.

ثقافة الكنسلة (أو الإقصاء)

“أُسكِتَ صوتي ، أخذه الآخرون، واستخدموه في قول شيء مختلف”

تصف هذه الجملة واقعًا يحدث كل يوم في الإنترنت، وقد استعرتها من “نوة برادلي” الذي كتب تدوينة طويلة عن الإقصاء، وهي ظاهرة جديدة انتشرت وتعززت بفضل شبكات التواصل الاجتماعي، وهي أن يتم الدعوة إلى مقاطعة ومحاربة شخص ما بسبب موقف، فعل، ورغم أن النوايا “قد” تكون حسنة لكنها لا تحكي “كل” الحكاية.

حكى برادلي في تدوينته المطولة عن قيامه بكتابة اعتذار ونشره ضمن دائرة مقربة من الناس. اعترف برادلي في اعتذاره عن أفعاله “أيام الشباب” خصوصًا علاقاته الكثيرة بالنساء، وحاول في اعتذاره – المقتضب على حد قوله – أن يظهر ندمه على أفعاله السابقة.

ولأن كل شيء في الإنترنت يؤخذ خارج السياق، فقد تم أخذ تصريح برادلي وتحريفه ليتحول من اعتذار إلى تهم اغتصاب. انهال سيل من التغريدات والهجمات والدعوات بالإقصاء على برادلي، وحتى لو حلف أغلظ الأيمان بأنه لم يغتصب أحدًا، فإن هذا الكلام سيؤخذ على أنه تبرير وسوف يستمر الهجوم، لذلك آثر برادلي الصمت وعدم الرد.

“أُسكِتَ صوتي ، أخذه الأخرون، واستخدموه في قول شيء مختلف” 

وصلت قصة برادلي لبعض المدونات المشهورة، وتم تحوير الاعتذار لقصة أخرى، كما بدأ البعض في تفسير بعض أفعال برادلي مثل وضعه قوانين القوة الثمانية والأربعون (والمأخوذة من كتاب بنفس العنوان) خلفيةً لسطح المكتب، كدليل على شخصية مريضة متحكمة ودليل على أنه مغتصب.

بدأت الحياة بالانهيار، فقد تم طرد برادلي من وظيفته، وقاطعت الشركات التي يتعاون معها صلتها به، وبين يوم وليلة، تخلى عنه الكثير من أصدقائه، وأثرت على حياته الزوجية ، وتوقف عن الرسم لفترة طويلة.

لنعد للاعتذار قليلًا…

يقول برادلي أن سلوكه تغير في الفترة ما بين أفعاله الطائشة “أيام الشباب” وكتابة الاعتذار. وجاء هذا التغير على شكل محاولة لتصحيح بعض أخطائه عبر إظهار المزيد من الدعم والتوجيه، مشاركة الفائدة، ولكل شخص طريقته في محاولة التحسين من ذاته. لكن الاتهامات مع إضافة كلمة “مغتصب” دفعت الغضب إلى مقدمة المدفع، وانهالت القذائف.

كي لا أطيل سرد القصة، فقد تمكن برادلي من لملمة حياته، وحاول التعامل مع الموضوع بتفهم، وبالرغم من تأثر دخله وحياته، إلا أن الإقصاء كشف له عن جوانب أخرى، وجعلته يقدر القليل الذي يملكه، ويمكنك قراءة قصة برادلي كاملة على مدونته.

لنتوقف عن سرد قصة برادلي ولننظر إلى ظاهرة الغضب والإقصاء.

أفرزت الشبكات الاجتماعية العديد من المشاكل أبرزها: انهيار السياق والإقصاء، ففي الأولى يتم أخذ كل شيء خارج السياق لأغراض مختلفة، مثل تشويه السمعة، والثانية تتغذى على الأولى بشكل كبير، لأنها تلامس مشاعر الظلم، الغضب، والكره التي نحملها بداخلنا لكل ماهو سيء في هذا العالم.

هنا ينطلق وحش الإقصاء والدعوات المنادية بمحاربة فلان، أو مقاطعة علان، لشيء ارتكبه قبل سنوات (ركز “قبل سنوات”)، وهنا مشكلة الانترنت الأكبر التي دائمًا ما أتحدث عنها مع أصدقائي، وهي أن الانترنت لا تعكس التطور الشخصي الذي يمر به الشخص، كما أنها تسهل على الأشخاص بناء صورة عنك بعد قراءة تغريدات ومشاهدة فيديوهات قديمة، لأننا حين نقرأها لا نبالي بتاريخ النشر حتى ولو كان قبل 20 سنة، أنا أقرأه الآن، إذًا فهو يحدث الآن.

ولأن الشبكات الاجتماعية أصبحت متنفس الغاضبين والناقمين على كل شيء من لون الجدار إلى زقزقة العصافير، فإن الدائرة تبدأ هناك، وستطرح القضية ويلتم الناس حولها، ويبدأ الصراخ، وتنهال الهجمات على الشخص، والكل “يمنشن” أو يشرح القضية لمتابعيه، وسرعان ما يمشي الشخص بين تغريدات وانتقادات مباشرة في مشهد قريب لمشهد سيرسي في جيم أوف ثرونز وهي تمشي عارية في ممرات كينجزلاندنج والناس تكرر بصوت عالٍ: “عار…عار” (الفرق هنا أن سيرسي مذنبة).

أحيانًا أسأل نفسي لو حصل لي هذا الموقف ماذا سأفعل؟

لن ينظر الناس إلى تغيري وتحسن سلوكي، لا يهم، فالانترنت والقطيع لا يأبه بذلك، فكل شخص يحارب، ويغرد وينتقد له أجندة خاصة مدفوعة بمشاكله الشخصية، وهو في وضع الهجوم مغيب لأنه يدافع عن المسكين الذي يرى فيه نفسه التي هزمت في معارك سابقة. ليسوا بشياطين، فنواياهم حسنة، ولكن النوايا الحسنة قد تأتي بآثار رجعية.

هناك مشكلة يجب أن نتنبه لها، وننبه الآخرين لها، وهي أن الانترنت ليست العالم الحقيقي، حسابي في تويتر وفيسبوك لا يدل على نضجي الفكري وتغير شخصيتي، تغريداتي القديمة، كتاباتي السابقة، كل ما أفعله (وتفعله أنت) هو تعبير عن ذاتك “الآن”، ولكن للأسف “الآن” قد يستخدم ضدك بعد سنوات، وهي مشكلة تتكرر وسوف تتكرر إلا أن نبدأ في تكوين بعض الوعي ونعرف كيف نتعامل مع الانترنت وكل ما ينشر فيها بوعي أكبر، وكان الله في العون…


✉️ ظهر هذا الموضوع في عدد سابق من نشرة النشرة. اشترك الآن لتصلك الأعداد بانتظام.